0
الإمام أبو حنيفة النعمان وانتشار المذهب الحنفي

ولد الإمام النعمان بن ثابت بن النعمان المعروف بأبي حنيفة في الكوفة سنة (80هـ = 699م). ورأى في صغره أنس بن مالك t. وأخذ العلم عن حماد بن أبي سليمان، وكان فقيهاً كوفياً كثير الرأي. ومعلوم أن فقه أهل الكوفة يرجع إلى الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود t الذي أرسله عمر t ليفقّه أهل الكوفة. وقد أخذ تلامذته من بعده عن علي بن أبي طالب t أيام خلافته. ثم نشأ بعد هؤلاء التلامذة، فقيهين أخذا عنهم، هما: عامر الشعبي وإبراهيم النخعي. وصار هذين الإمامين فقيهي الكوفة في زمانهما. والأول كان أميل للأثر، والثاني كان يميل إلى الرأي، شأنه شأن عامة أهل الكوفة. ثم أخذ الفقه عن إبراهيم النخعي إمامان: منصور، وحماد. فأما منصور فقد أخذ الفقه عنه سفيان الثوري. وأما حماد فقد أخذ الفقه عنه أبو حنيفة. ومن تأمل فقه الإمامين أبي حنيفة والثوري، لوجده قريب، لكن الأول أكثر تفريعاً، والثاني أقرب لأهل الحديث. قال الذهبي في "التفسير والمفسرون" (1|89): «يمتاز أهل العراق بأنهم أهل رأي. وهذه ظاهرة نجدها بكثرة في وسائل الخلاف. ويقول العلماء: إن ابن مسعود هو الذي وضع الأساس لهذه الطريقة في الاستدلال، ثم توارثها عنه علماء العراق»، وما قاله خاص بالكوفة ومن حولها كبغداد ولا يشمل البصرة.

وكان أبو حنيفة رجلاً ميسوراً يعمل بتجارة الحرير والثياب. وقد تخرج على يديه جمع من الفقهاء الكبار، من أمثال أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم (183هـ = 799م) وهو الذي نشر المذهب الحنفي وأول من كتب فيه، ومحمد بن الحسن الشيباني (189هـ = 805م) وهو الذي دوّن المذهب، وزفر بن الهذيل وغيرهم. ومسألة توثيق أبي حنيفة في رواية الحديث أفردنا لها مقالاً خاصاً. 

قال شيخ الإسلام: «وأبو يوسف ومحمد هما صاحبا أبي حنيفة، وهما مختصان به كاختصاص الشافعي بمالك. ولعل خلافهما له يقارب خلاف الشافعي لمالك. وكل ذلك اتباعاً للدليل وقياماً بالواجب». بل ذكر ابن عابدين الحنفي في "حاشيته" (1|67): «حصلت مخالفة الصاحبين لأبي حنيفة في نحو ثلث المذهب». مما يدلك على بعدهم عن التقليد الذي صار –فيما بعد– صفة مميزة لمذهب الحنفية، وإن كان موجوداً عند غيرهم كذلك. والذي أفسد المذهب الحنفي هم المعتزلة الذين انتسبوا له، ثم دمروه من الداخل. فيقول الكرخي: «كل آية تخالف ما عليه أصحابنا فهي مؤولة أو منسوخة، وكل حديث كذلك فهو مؤول أو منسوخ»! (الأصل للكرخي 152 ملحقة بتأسيس النظر للدبوسي).

وهناك قصة مشهورة رواها ابن عبد البر في التمهيد (8|208) وفي جامع البيان (2|1209) فقال: وذكر عبد الرزاق قال: أنا معمر، عن أيوب قال: قال عروة... قال ابن عباس: «والله ما أراكم منتهين حتى يعذبكم الله. نحدثكم عن رسول الله (r)، وتُحَدِّثونا عن أبي بكرٍ وعمر؟!». وساق إسنادها ابن حزم في "حجة الوداع" (ص353) فقال: حدثنا حمام حدثنا الباجي حدثنا أحمد بن خال حدثنا الكشوري حدثنا الحذاقي حدثنا عبد الرزاق عن معمر... بنفس اللفظ. فيا لهف نفسي، ما يقول ابن عباس t لو سمع مقولة الكرخي؟ بل ماذا يقول لو قرأ للكوثري؟

0 التعليقات:

إظهار التعليقات

إرسال تعليق

 

مدونة المواضيع و الوثائق الإدارية © 2012 | عودة الى الاعلى
Gaia 10 Pointer